جزاك الله خيرا أخي الكريم على التنبيه
وهدا بيان الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله جول هده الوصية
تنبيه هام على كذب الوصية المنسوبة للشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين حفظهم
الله بالإسلام، وأعاذنا وإياهم من شر مفتريات الجهلة الطغاة ، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فقد اطلعت على كلمة منسوبة إلى الشيخ أحمد خادم الحرم النبوي
الشريف بعنوان: (هذه وصية من المدينة المنورة عن الشيخ أحمد خادم الحرم
النبوي الشريف) قال فيها: (كنت ساهراً ليلة الجمعة أتلو القرآن الكريم،
وبعد تلاوة قراءة أسماء الله الحسنى، فلما فرغت من ذلك تهيأت للنوم، فرأيت
صاحب الطلعة البهية رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أتى بالآيات
القرآنية، والأحكام الشريفة رحمة بالعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
فقال: يا شيخ أحمد، قلت لبيك يا رسول الله، يا أكرم خلق الله، فقال لي:
أنا خجلان من أفعال الناس القبيحة، ولم أقدر أن أقابل ربي، ولا الملائكة.
لأن من الجمعة إلى الجمعة مات مائة وستون ألفاً على غير دين الإسلام، ثم
ذكر بعض ما وقع فيه الناس من المعاصي، ثم قال: فهذه الوصية رحمة بهم من
العزيز الجبار. ثم ذكر بعض أشراط الساعة، إلى أن قال: فأخبرهم يا شيخ أحمد
بهذه الوصية. لأنها منقولة بقلم القدر من اللوح المحفوظ، ومن يكتبها
ويرسلها من بلد، إلى بلد، ومن محل إلى محل، بني له قصر في الجنة، ومن لم
يكتبها ويرسلها حرمت عليه شفاعتي يوم القيامة، ومن كتبها وكان فقيراً
أغناه الله، أو كان مديوناً قضى الله دينه، أو عليه ذنب غفر الله له
ولوالديه ببركة هذه الوصية، ومن لم يكتبها من عباد الله اسودَّ وجهه في
الدنيا والآخرة، وقال: والله العظيم ثلاثاً هذه حقيقة، وإن كنت كاذباً
أخرج من الدنيا على غير الإسلام، ومن يصدق بها ينجو من عذاب النار، ومن
يكذب بها كفر).
هذه خلاصة ما في الوصية المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد
سمعنا هذه الوصية المكذوبة مرات كثيرة منذ سنوات متعددة، تنشر بين الناس
فيما بين وقت وآخر، وتروج بين الكثير من العامة، وفي ألفاظها اختلاف،
وكاذبها يقول: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فحمله هذه
الوصية، وفي هذه النشرة الأخيرة التي ذكرنا لك أيها القارئ زعم المفتري
فيها أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم عندما تهيأ للنوم، فالمعنى: أنه
رآه يقظة!
زعم هذا المفتري في هذه الوصية أشياء كثيرة، هي من أوضح الكذب، وأبْيَن
الباطل، سأنبهك عليها قريباً في هذه الكلمة إن شاء الله ولقد نبهت عليها
في السنوات الماضية، وبينت للناس أنها من أوضح الكذب، وأبْيَن الباطل،
فلما اطلعت على هذه النشرة الأخيرة ترددت في الكتابة عنها، لظهور بطلانها،
وعظم جراءة مفتريها على الكذب، وما كنت أظن أن بطلانها يروج على من له
أدنى بصيرة، أو فطرة سليمة، ولكن أخبرني كثير من الإخوان أنها قد راجت على
كثير من الناس، وتداولها بينهم وصدقها بعضهم، فمن أجل ذلك رأيت أنه يتعين
على أمثالي الكتابة عنها، لبيان بطلانها، وأنها مفتراة على رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى لا يغتر بها أحد، ومن تأملها من ذوي العلم والإيمان،
أو ذوي الفطرة السليمة والعقل الصحيح، عرف أنها كذب وافتراء من وجوه
كثيرة.
ولقد سألت بعض أقارب الشيخ أحمد المنسوبة إليه هذه الفرية، عن هذه الوصية،
فأجابني: بأنها مكذوبة على الشيخ أحمد، وأنه لم يقلها أصلاً، والشيخ أحمد
المذكور قد مات من مدة، ولو فرضنا أن الشيخ أحمد المذكور، أو من هو أكبر
منه، زعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم أو اليقظة، وأوصاه
بهذه الوصية، لعلمنا يقيناً أنه كاذب، أو أن الذي قال له ذلك شيطان، ليس
هو الرسول صلى الله عليه وسلم لوجوه كثيرة منها:
1- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يرى في اليقظة بعد وفاته صلى الله
عليه وسلم، ومن زعم من جهلة الصوفية أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم في
اليقظة، أو أنه يحضر المولد أو ما شابه ذلك، فقد غلط أقبح الغلط، ولبس
عليه غاية التلبيس، ووقع في خطأٍ عظيم وخالف الكتاب والسنة وإجماع أهل
العلم؛ لأن الموتى إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة لا في الدنيا، ومن
قال خلاف ذلك فهو كاذب كذباً بيناً، أو غالط ملبس عليه، لم يعرف الحق الذي
عرفه السلف الصالح، ودرج عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأتباعهم بإحسان، قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ
لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ}[1]، وقال
النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة وأنا
أول شافع وأول مشفع)) والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
2- الوجه الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول خلاف الحق، لا في
حياته ولا في وفاته، وهذه الوصية تخالف شريعته مخالفة ظاهرة، من وجوه
كثيرة - كما يأتي - وهو صلى الله عليه وسلم قد يرى في النوم، ومن رآه في
المنام على صورته الشريفة فقد رآه؛ لأن الشيطان لا يتمثل في صورته، كما
جاء بذلك الحديث الصحيح الشريف ، ولكن الشأن كل الشأن في إيمان الرائي
وصدقه وعدالته وضبطه وديانته وأمانته، وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم
في صورته أو في غيرها.
ولو جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث قاله في حياته، من غير طريق
الثقات العدول الضابطين لم يعتمد عليه، ولم يحتج به، أو جاء من طريق
الثقاة الضابطين، ولكنه يخالف رواية من هو أحفظ منهم، وأوثق مخالفة لا
يمكن معها الجمع بين الروايتين، لكان أحدهما: منسوخاً لا يعمل به،
والثاني: ناسخ يعمل به، حيث أمكن ذلك بشروطه، وإذا لم يمكن الجمع ولا
النسخ وجب أن تطرح رواية من هو أقل حفظاً، وأدنى عدالة، والحكم عليها
بأنها شاذة لا يعمل بها.
فكيف بوصية لا يعرف صاحبها، الذي نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ولا تعرف عدالته وأمانته، فهي والحالة هذه حقيقة بأن تطرح ولا يلتفت
إليها، وإن لم يبين فيها شيء يخالف الشرع، فكيف إذا كانت الوصية مشتملة
على أمور كثيرة تدل على بطلانها، وأنها مكذوبة على رسول الله صلى الله
عليه وسلم ومتضمنة لتشريع دين لم يأذن به الله!
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعدة
من النار))، وقد قال مفتري هذه الوصية على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما لم يقل، وكذب عليه كذباً صريحاً خطيراً، فما أحراه بهذا الوعيد العظيم
وما أحقه به إن لم يبادر بالتوبة، وينشر للناس كذب هذه الوصية على رسول
الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن من نشر باطلاً بين الناس ونسبه إلى الدين لم
تصح توبته منه إلا بإعلانها وإظهارها، حتى يعلم الناس رجوعه عن كذبه،
وتكذيبه لنفسه؛ لقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا
أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ
لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ
اللاعِنُونَ إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ
أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}[2]، فأوضح سبحانه
وتعالى في هذه الآية الكريمة: أن من كتم شيئاً من الحق لم تصح توبته من
ذلك إلا بعد الإصلاح والتبيين، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم
عليهم النعمة ببعث رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وما أوحى الله إليه من
الشرع الكامل، ولم يقبضه إليه إلا بعد الإكمال والتبيين، كما قال عز وجل:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي}[3] الآية.
ومفتري هذه الوصية قد جاء في القرن الرابع عشر، يريد أن يلبس على الناس
ديناً جديداً، يترتب عليه دخول الجنة لمن أخذ بتشريعه، وحرمان الجنة ودخول
النار لمن لم يأخذ بتشريعه، ويريد أن يجعل هذه الوصية التي افتراها أعظم
من القرآن وأفضل، حيث افترى فيها: أن من كتبها وأرسلها من بلد إلى بلد، أو
من محل إلى محل بني له قصر في الجنة، ومن لم يكتبها ويرسلها حرمت عليه
شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. وهذا من أقبح الكذب ومن أوضح
الدلائل على كذب هذه الوصية، وقلة حياء مفتريها، وعظم جرأته على الكذب؛
لأن من كتب القرآن الكريم وأرسله من بلد إلى بلد، أو من محل إلى محل، لم
يحصل له هذا الفضل إذا لم يعمل بالقرآن الكريم، فكيف يحصل لكاتب هذه
الفرية وناقلها من بلد إلى بلد. ومن لم يكتب القرآن ولم يرسله من بلد إلى
بلد، لم يحرم شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مؤمناً به، تابعاً
لشريعته، وهذه الفرية الواحدة في هذه الوصية، تكفي وحدها للدلالة على
بطلانها وكذب ناشرها، ووقاحته وغباوته وبعده عن معرفة ما جاء به الرسول
صلى الله عليه وسلم من الهدى.